نشأة علم تاريخ الأدب
تاريخ الأدب علم نشأ أول ما نشأ في أوروبا، وأخذ طريقة تقارب منهجهم الأدبي. فمنذ
نشأة الأدب اليوناني الذي تنتسب أوروبا له ثقافياً وأدبياً، والذي بدأ بالشعر
الملحمي القصصي كإلياذة هوميروس ومسرحياتهم التي تناولت موضوعات مستقاة من
ثقافتهم وخرافاتهم وفلسفتهم. ومع بداية الرواية الأوروبية والقصة القصيرة
والمسرحية التي خرجت من رحم المسرحية اليونانية والمقالة في شكلها الأوروبي
الحديث التي تطورت ونضجت في القرن الثامن عشر.
تأثر الطريقة المدرسية بالأدب الأوروبي
هذه الطبيعة الأدبية التي تميز بها الأدب الأوروبي عن غيره جعلت من تدوين آدابهم
يأخذ منهجا قسّم تاريخ الأدب إلى عصور وحقب تاريخية صارمة أحياناً وقولبة كل من
في هذه الحقبة بصفات ملزمة هذه الطريقة سميت فيما بعد بالطريقة المدرسية.
الآثار السلبية للأدب الأوروبي على اللغة العربية
أواخر القرن التاسع عشر بدأت المجلات الثقافية في الانتشار، لا سيما في مصر التي
افتتحت عهداً من المجلات الثقافية الفذة كالمنار التي بدأها صاحبها رشيد رضا في
مصر، واستمرت إلى ثلاثينيات القرن العشرين ومجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات
التي أخذت في الانتشار أكثر في الصالونات الأدبية المصرية التي بدأ الأدب بها
متأثراً شديد التأثر بالأدب الأوروبي الفرنسي والإنجليزي منه على وجه الخصوص. هذا
التأثر الذي بدأ سلبياً؛ لأنه ابتعد بعداً شديداً عن الاتزان، وسارع إلى الخروج
بنتائج صارمة حول أدب العربية وتاريخ الأدب العربي. كل ذلك دفع جل أدباء مصر
وبلاد الشام على المسارعة في إقحام الفنون الأدبية الأوروبية في الأدب العربي
إقحاماً كالرواية الأوروبية وفن القصة القصير والكتابة المقالية ، وكأن خلو الأدب
العربي من هذه الألوان الأدبية عيب يجب التخلص منه واللحاق بالأدب الأوروبي وما
هو بعيب فالعربية لديها ما يميزها عن كل الآداب الأخرى، ذلك التطفل السريع حسبما
ما اعتقد هو نتيجة الإعجاب المغلوب بالغالب والضعف الذي أصاب العربية في القرون
الأخيرة. وفي توجه أدبي آخر خرجت حركة أدبية أخرى، التي نقدت التسرع في هدم
التراث الأدبي الممتد العريض والتقليد المشين لأمة لها أدبها المستقل الخاص التي
تتميز به فلم نلجأ الى اقتفاء آثارهم . تلكم الحركة بدأها البارودي الذي أثار في
الشعر العربي الحديث الرجوع إلى تراثنا الأدبي الشعري العباسي، وعززها محمود شاكر
الذي أرجع فهم العربية إلى تراث ممتد ضارب في القدم لا الى فهم أجنبي لن يدرك
غوامضها.
منهجية الطريقة المدرسية
لكن هذه الحركة الأدبية كانت أقل انتشاراً في الأوساط الأدبية، فبدأ تدوين تاريخ
الأدب العربي في العصر الحديث حسب الطريقة الفرنسية في تقسيم التاريخ الممتد إلى
حقب صارمة محددة، ودفع كل من كان في هذه الفترة التاريخية إلى التقليد الأدبي
المنتشر في تلك الفترة. هذه الطريقة سميت فيما بعد بالطريقة المدرسية وأبرز من
بدأ بهذه الطريقة الأديب المصري أحمد حسن الزيات صاحب الرسالة التي حفظت لنا جهود
أدباء ومثقفين تنوعت أساليبهم، واختلفت آراؤهم. بدأ الزيات في كتابه تاريخ الأدب
العربي بعد مقدمة يستهل بها تاريخه بتقسيم العصور الأدبية إلى خمسة أقسام، فبدأ
بالعصر الجاهلي فالإسلامي فالعباسي فالمملوكي فالحديث. واستهل في الحديث عن ما
تميز كل عصر من هذه العصور من الميزات الأدبية والحديث عن ما اشتهر في كل عصر من
كتاب وشعراء، لكن الذي أجده شديد الغرابة هي إطلاق الزيات بعضاً من الأحايين
أحكاما أجدها متسرعة في وصف شاعر أو كاتب وأتساءل كيف له أن يصل لتلك الحتمية دون
دراسة متقصية لأعمال ذلك الأديب الذي وضعته الطريقة المدرسية في قالب لا يستطيع
الخروج منه فلزاماً عليه أن يكون متصفا بصفات عصره.
الطريقة المدرسية وأثرها في قولبة الأدب
إن تلك الطريقة التي تخرج بنتائج ثابتة مطردة عن عشرات الشعراء في عصر تاريخي
محدد صارم جعلت من قراءة تاريخ الأدب عملية تخضع لكثير النتائج الثابتة المطردة،
وتبتعد عن الغوص في أعماق الأدب العربي المتميز المتفرد عن غيره بصفات من الصعب
أن تحدد من قبل الأدب الأوروبي البعيد عن خصائص الأدب العربي، أو من دارسة عجولة
يقيمها مستشرق أوروبي درس العربية، لكنه لن يتمكن من أن يعي تاريخ أمة عريقة
بعربيته المتهالكة. فالنتائج السريعة التي خرجت بها الطريقة المدرسية حولت دراسة
الأدب من دراسة إنسانية إلى دراسة منطقية مشوهة تخضع لمنطق غريب بعيد عن روح
الأدب العربي فكيف لنا أن نجمع أدباء الدولة العباسية كلهم بصفات موحدة لا نخرج
عنها قيد أنملة في مدة جاوزت خمسة قرون. أو كيف لنا أن نجزئ شاعرا عاش في آخر
الدولة الأموية وأول الدولة العباسية إلى جزأين مختلفين، ونقنع القارئ المسكين أن
أول شعره متصف تماماً الاتصاف بصفات العصر السابق. أما شعره الذي بدأ بالانسلاخ
عن صفات العصر السابق هو المميز الذي ميز سائر شعره. ولا أدعي أنه يتوجب هدم هذا
النوع من التاريخ، بل ادعى أنه نوع مقولب للأدب العربي بعيد عن روحه الفذة
المتفردة. وجعل من دراسة الأدب عملاً ضحلًا سهلاً مشتتاً. فحسب اعتقادي إن دراسة
الأدب العربي خاصةً تحتاج إلى عقلية تأبى التقليد الأعمى، وترفض قوالب جاهزة
أتينا بها من هنا وهناك وحسب ظني أن دراسة الأدب في أمس حاجة إلى عقول تأبي
التقليد والتسرع في الأحكام الجازمة. إن قراءة الأدب العربي قراءة تخرج من عباءة
التصنيف والرجوع إلى التراث العربي بدلاً من قراءة نتائج ثابتة عنه أظن أنها
واجبة على المثقف العربي لكي يمتلك نظرة على أدب لغته.